السلام عليكم
اليوم الذكرى 16 لإطفاء آخر بئر نفطية أشعلها الحقد الصدامي
تصادف اليوم الذكرى السادسة عشرة لإطفاء آخر بئر نفطية مشتعلة، أشعلتها نيران الحقد العراقي قبيل اندحارها من الكويت في شهر فبراير عام 1991م، بعد صراع طويل خاضه الخبراء والفنيون ورجال الإطفاء عقب تحرير الكويت واستمر لمدة ثمانية أشهر متواصلة.
وقد بلغ عدد الآبار التي فجرتها القوات العراقية قبل انسحابها من الكويت حوالي 732 بئرا، وتراوحت كمية النفط التي كانت تحترق يوميا ما بين 6ـ4 ملايين برميل من البترول الخام، وقد قدرت خسائر الكويت المادية المباشرة من جراء احتراق النفط بما يقارب من 120 مليون دولار يوميا. هذا وقد تسبب احتراق النفط في أكبر كارثة بيئية شهدتها المنطقة عبر تاريخها طالت الحياة الفطرية في البحر واليابسة.
بداية المأساة
وقد بدأت مأساة احتراق آبار النفط يوم الحادي والعشرين من فبراير عام 1991م في أهم مناطق الكويت انتاجاً للنفط وهي الأحمدي، برقان، المقوع، المناقيش، الوفرة... وغيرها من المناطق الوفيرة والغنية بانتاجها للنفط.
هذا وقد أخذت حرائق آبار النفط أشكالاً متعددة فمن الآبار ما تم تفجيره ولم يشتعل، وهذا النوع شكل خطورة بالغة حيث كونت كميات النفط المتدفقة منه بحيرات نفطية هائلة تعيق عملية المكافحة، بالاضافة الى آثارها الضارة على المياه الجوفية.
ومن الآبار ما دمر وأشعلت فيه النار وقد صحب كميات كبيرة من الدخان قاذفا النيران من فوهة البئر الى جميع الجوانب، وقد أخذ النوع الثالث شكل تفجير بعض الصمامات العليا لرأس البئر وقد كانت هذه الآبار هي الأسهل في عملية السيطرة والإطفاء.
وبالاضافة الى أشكال التدمير الثلاثة التي ذكرت، فقد تم تدمير مراكز تجميع النفط، وهي المراكز التي يتجمع فيها النفط القادم من الآبار ومن ثم ينساب الى موانئ التصدير، وهذه المراكز موزعة في حقول برقان والأحمدي والصابرية والروضتين، وعددها 26 مركزا أصبحت جميعها غير قادرة على الانتاج وأصيبت بالشلل التام.
أما بالنسبة للحقول التي لم يصبها التدمير ولم تنل منها خطة التخريب فقد استأنفت شركة نفط الكويت تصدير النفط منها بواقع 300 ألف برميل يوميا في حين كان انتاجها قبل الغزو يصل الى 1.5 مليون برميل يوميا.
الخسائر المادية
بلغت الخسائر المادية من احتراق آبار النفط ما يقارب الـ 120 مليون برميل يومياً.
وذكر تقرير لشركة نفط الكويت أن عدد آبار النفط بعد التحرير كانت 751 بئراً أصاب التدمير منها 603 بئر محترقة و44 بئرا يتدفق منها البترول و104 آبار، مدمرة في حين لم يسلم من التدمير والتخريب سوى 110 آبار.
وأشار التقرير الى أن الكويت فقدت ما بين 1.5 مليار وملياري برميل من جراء احتراق الآبار وهو ما يوازي اثنين في المائة من الاحتياطي النفطي.
كما كشفت بعض الوثائق العراقية أن رأس النظام العراقي وحرسه الجمهوري هما مدبرا الخطة الشيطانية للتخريب المؤجل، اذ تبين من الوثائق «تخصيص وتسمية جماعات التخريب الخاصة بآبار النفط ومحطات الكهرباء والماء التي تمت تهيئتها لتخريب مؤجل، بحيث تكون كل مجموعة ثابتة في المكان المحدد لها بغرض تفجير هذه الأهداف في حال صدور أوامر بذلك».
الكارثة البيئية
ولم تقتصر نتائج حرائق النفط على الخسائر المادية فحسب، بل تجاوزتها الى خسائر أكثر خطورة على البيئة والصحة العامة، حيث شكلت أعمدة الدخان المتصاعدة والتي غطت سماء الكويت طيلة هذه الفترة كارثة بيئية تهدد الكائنات الحية من انسان وحيوان ونبات. وقد قدر الخبراء كميات الملوثات التي كانت تتصاعد الى الجو بحوالي 150 طنا، مخلفة وراءها أخطارا جسيمة على الصحة العامة بصورة لم يسبق لها مثيل في تاريخ المعمورة.
ومنذ تحرير الكويت بتاريخ 26 فبراير عام 1991م توافدت أعداد كبيرة من العلماء والخبراء المختصين بشؤون البيئة، وأقيمت الندوات والمؤتمرات والحلقات النقاشية في أكبر مراكز البحوث في العالم في محاولات لانقاذ البيئة ومعرفة الآثار المستقبلية لهذه الكارثة وتحديد نطاقها.
وفي دراسات مبدئية قامت بها الجمعية العلمية الوطنية وهي احدى الوكالات الفيدرالية الأمريكية المختصة في مايو عام 1991م، وبالاعتماد على القياسات التي أخذت تشير الى أن مليون الى مليوني طن من ثاني أكسيد الكربون كانت تتصاعد من الحرائق يوميا، وهذه النسبة تمثل %1 من مجموع ثاني أكسيد الكربون المنبعث في العالم كله. كما أكدت بعض الدراسات في تحليل لمخاطر هذه الكارثة الى أن 50 ألف شخص في الكويت سوف تكون حياتهم أقصر بطريقة ما في السنوات القادمة، بينما سوف تصيب أضعاف أضعافهم الكثير من الأمراض القاتلة بسبب الدخان وما يحتويه من غازات وكيماويات سامة مختلفة.
يذكر أن الدخان المنطلق من الآبار قد وصل دولا مختلفة من العالم منها دول وسط آسيا. وقد هطلت أمطار سوداء على البحرين والسعودية وقطر وايران وسلطنة عمان، هذا ووصلت الأمطار السوداء المحملة بالنفط والغاز الى جبال الهمالايا أيضا، كما سقطت كميات كبيرة جدا من السخام على الكويت لتغطي النباتات والمباني وقد أثر على الطيور والحيوانات الأخرى، اضافة الى تحويل النهار إلى ليل عند سكون الرياح مما أدى الى انخفاض درجات الحرارة الى 4 درجات مئوية مما تسبب في هلاك الكثير من الكائنات البحرية.
الأيدي الكويتية ودورها البارز
شارك الشباب الكويتي المعطاء المتحمس لوطنه بعمليات الإطفاء بفريق مكون من 26 عضواً، أضيف لهم لاحقا ثلاثة أعضاء عند دخول هذا الفريق للعمل، ويقول رئيسه عيسى بويابس أنهم بدأوا بالإطفاء قبل أن يتم تدريبهم مع الفرق الأجنبية المشاركة. وذلك اختصارا للوقت ولوجود 10 أفراد بين الفريق ضباط إطفاء متدربون على إطفاء نماذج الآبار المشتعلة، ويضيف انهم بدأوا العمل في 1991/9/14في حقل أم قدير، فأطفأوا بمفردهم 41 بئرا من ضمنها بئر (برقان 160) الذي يقع في قلب حقل برقان، وهو المكان الأكثر انتاجا. حيث تقدر طاقة هذا البئر الانتاجية قبل تفجيره بنحو 25500 برميل في اليوم... وكان من أخطر الآبار من حيث قوة لهيبه، ودرجة الحرارة العالية المنبعثة منه، وبالرغم من تحاشي الفرق الأخرى إطفاء هذا البئر، الا ان الفريق الكويتي قام باطفائه في فترة زمنية تقدر بأربعة أيام فقط، وكانت لحظة إطفاء هذا البئر تحديدا من اسعد لحظات عمرهم وأكثرها تأثيرا.
عمليات الإطفاء والسيطرة على أول بئر
نظراً لضخامة وكثافة النيران والأدخنة من هذه الحرائق فقد توقع خبراء عالميون أن عملية إطفاء هذه الحرائق ستكون في غضون 3 سنوات، الا ان وزارة النفط الكويتية عملت على دراسة امكانية خفض هذه الفترة وانهاء الكارثة في فترة وجيزة، وبدأ العمل الفعلي لاخماد تلك الحرائق في يوم 3 مارس عام 1991م.
وقد بدأ العمل بإطفاء الآبار بشركة أمريكية واحدة، وتوالت الدول مقدمة فرقها للمساعدة حتى بلغ عدد الفرق المشاركة في الإطفاء 27 فرقة من كل من الكويت، الولايات المتحدة الأمريكية، كندا، الصين، هنغاريا، فرنسا، رومانيا، بريطانيا، روسيا والأرجنتين، وكان متوسط الإطفاء اليومي ثلاث آبار، وأعلى رقم تم تسجيله لعدد الآبار التي أطفئت في يوم واحد 13 بئرا.
والى جانب الحشد الهائل من العاملين في الإطفاء والذي قدر بأكثر من 10 آلاف شخص تفتقت أذهان المتخصصين عن أفكار جديدة باستخدام ضغط نفاق يساعد على إطفاء اللهب الى جانب الأساليب التقليدية التي كانت الأكثر استعمالاً.
ومن الجدير بالذكر أن عمليات الإطفاء بدأت في عهد كان وزير النفط فيه الدكتور رشيد العميري، فوضعت الخطة وجلبت المعدات التي تم تحضيرها قبل التحرير ونذكر منها معدات وماكينات وعربات بلغ عددها حوالي 5800 قطعة، وهذا العدد يمثل ثاني أكبر أسطول معدات عربات غير عسكرية في العالم، وهو أكبر أسطول تم تجميعه في مكان واحد. وتم تطهير أكثر من 175كم من الأرض من مخلفات الغزو التي لم تنفجر، وتفجير أكثر من 20 ألف قطعة من المخلفات المتفجرة، وأنشيء أكثر من 2000 خط لا سلكي من 50 محطة فاكس و24 شبكة تلفزيونية تعتمد على القمر الصناعي لدعم عملية الإطفاء، وقد تم تركيب هذا النظام في وقت قياسي، ويذكر أنه تم اعداد أكثر من 31 مليون وجبة غذائية للعاملين في الإطفاء، وقد بلغ أعلى معدل تقديم الوجبات 26 ألف وجبة في اليوم.
وقد تم انشاء 361 بحيرة ماء صناعية لاستخدامها في أعمال الإطفاء، وزاد الامداد بالمياه الى 25 مليون جالون من الماء يوميا، وبلغ اجمالي كمية المياه المستخدمة 11.2 مليار جالون، وهذه الكمية الهائلة تكفي لملء بحيرة كبيرة عمقها متران وعرضها كيلومتر واحد وطولها ثلاثة كيلومترات ونصف الكيلومتر، وهذه الكمية كافية لتغطية مساحة الكويت بكاملها.
وقد استمر الوزير الدكتور العميري في العمل حتى 1991/4/20م، بعد أن أطفأ رجال الإطفاء ما بين 50ـ45 بئرا، ليسلم بقية المهمة الى الوزير الذي خلفه وهو الدكتور حمود الرقبة - رحمه الله تعالى - حيث أكمل ما بدأه سلفه وأنهى المهمة في وقت قياسي.
ولا يفوتنا أن نذكر أن هذه هي المرة الأولى التي نحتفل بها بذكرى إطفاء آخر بئر للنفط وقد غيب الموت عنا الدكتور حمود الرقبة طيب الله ثراه.
وكانت أول بئر فعلية تمت السيطرة عليها في 20 مارس 1991م، وهي (الأحمدي 24) وكان ذلك في تاريخ 29 مارس 1991م، وقد استخدمت في عمليات الإطفاء دبابة أمريكية من طراز (ام 60) أطلقت قذائف على احدى آبار حقل برقان وسقطت جميع القذائف على أهدافها بدقة متناهية.
إطفاء آخرالآبار
يتذكر الكويتيون، ويتذكر معهم العالم كله، كيف تنفس الجميع الصعداء بإطفاء آخر بئر مشتعلة وهي بئر (برقان 118) والذي كان في مثل هذا اليوم وتحديدا في 6 نوفمبر عام 1991م أي منذ ستة عشر عاما، ومع اصرار الكويت على انهاء آثار العدوان والبدء في اعادة الاعمار ومن أجل اعادة تأهيل القطاع النفطي وهو العصب الاقتصادي للكويت والكويتيين، أتم بحمد الله ورعايته الفريق الكويتي لإطفاء الآبار المحترقة مهمته الجليلة في 240 يوما محطما بذلك كل التوقعات والدراسات التي ادعت أن الآبار لن تطفأ قبل 3 سنوات على الأقل، وليثبت للعام أجمع أن الكويتيين بعزم شبابهم وتوجيهات آبائهم وأجدادهم الذين ضحوا بالغالي والنفيس من أجل هذا الوطن قد استحقوا وعن جدارة أن يكونوا مضربا للأمثال في كل محفل.
وقد شمل سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح - رحمه الله برعايته إطفاء آخر بئر مشتعلة، متوجا بذلك جهودا جبارة بذلتها أياد كويتية وأخرى صديقة، ففي مثل هذا اليوم من عام 1991م وقف سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح - رحمه الله، وسمو ولي عهده الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح - حفظه الله، ووزير النفط في ذلك الوقت الدكتور حمود الرقبة - رحمه الله ، تحيط بهما وفود ومندوبو الدول الشقيقة والصديقة ومسؤولون في القطاع النفطي الكويتي أمام ذراع تحكم بشعلة آخر بئر محترقة في حقل برقان ليديرها سمو الأمير قاطعا بذلك نزيف اهدار آخر قطرة من النفط الكويتي ليتحول بعدها هذا النفط الى وقود يدفئ العالم ويحرك مصانعه.
ولا شك أن ما حدث يعتبر معجزة بكل المقاييس، وسباقا مع الزمن، وقد وضعت الحكومة نصب عينيها منذ اليوم الأول لتحرير الكويت ضرورة العمل على سرعة مكافحة حرائق آبار النفط وعهدت الى شركات أمريكية وغربية متخصصة لاتمام عملية الإطفاء، وقد قامت بتجنيد كل الطاقات وتسخير كل الجهود للسيطرة على هذه الكارثة وتحجيم آثارها في أقل وقت ممكن وبأقل خسائر ممكنة. وبالطبع فان هذا السباق مع الزمن قد خفف آثار هذه الكارثة الى الحد الأدنى، حيث ان التقديرات كانت تشير الى أن 3ـ2 في المائة من احتياطي النفط الكويتي الثابت والذي يقدر بـ 100 مليار برميل سوف تلتهمه النيران.
وفي 28 يوليو عام 1991م غادرت الكويت ناقلة النفط العملاقة (ثورنيس) ميناء الأحمدي حاملة أول شحنة نفط الى الخارج، وبذلك تكون الكويت قد صدرت النفط للمرة الأولى منذ الغزو العراقي الغاشم. وبإطفاء آخر بئر نفطية يغلق ملف أكبر كارثة بيئية شهدتها منطقة الشرق الأوسط والعالم كله، والتي سببتها نيران الحقد الآثمة.
اليوم الذكرى 16 لإطفاء آخر بئر نفطية أشعلها الحقد الصدامي

تصادف اليوم الذكرى السادسة عشرة لإطفاء آخر بئر نفطية مشتعلة، أشعلتها نيران الحقد العراقي قبيل اندحارها من الكويت في شهر فبراير عام 1991م، بعد صراع طويل خاضه الخبراء والفنيون ورجال الإطفاء عقب تحرير الكويت واستمر لمدة ثمانية أشهر متواصلة.
وقد بلغ عدد الآبار التي فجرتها القوات العراقية قبل انسحابها من الكويت حوالي 732 بئرا، وتراوحت كمية النفط التي كانت تحترق يوميا ما بين 6ـ4 ملايين برميل من البترول الخام، وقد قدرت خسائر الكويت المادية المباشرة من جراء احتراق النفط بما يقارب من 120 مليون دولار يوميا. هذا وقد تسبب احتراق النفط في أكبر كارثة بيئية شهدتها المنطقة عبر تاريخها طالت الحياة الفطرية في البحر واليابسة.
بداية المأساة
وقد بدأت مأساة احتراق آبار النفط يوم الحادي والعشرين من فبراير عام 1991م في أهم مناطق الكويت انتاجاً للنفط وهي الأحمدي، برقان، المقوع، المناقيش، الوفرة... وغيرها من المناطق الوفيرة والغنية بانتاجها للنفط.
هذا وقد أخذت حرائق آبار النفط أشكالاً متعددة فمن الآبار ما تم تفجيره ولم يشتعل، وهذا النوع شكل خطورة بالغة حيث كونت كميات النفط المتدفقة منه بحيرات نفطية هائلة تعيق عملية المكافحة، بالاضافة الى آثارها الضارة على المياه الجوفية.
ومن الآبار ما دمر وأشعلت فيه النار وقد صحب كميات كبيرة من الدخان قاذفا النيران من فوهة البئر الى جميع الجوانب، وقد أخذ النوع الثالث شكل تفجير بعض الصمامات العليا لرأس البئر وقد كانت هذه الآبار هي الأسهل في عملية السيطرة والإطفاء.
وبالاضافة الى أشكال التدمير الثلاثة التي ذكرت، فقد تم تدمير مراكز تجميع النفط، وهي المراكز التي يتجمع فيها النفط القادم من الآبار ومن ثم ينساب الى موانئ التصدير، وهذه المراكز موزعة في حقول برقان والأحمدي والصابرية والروضتين، وعددها 26 مركزا أصبحت جميعها غير قادرة على الانتاج وأصيبت بالشلل التام.
أما بالنسبة للحقول التي لم يصبها التدمير ولم تنل منها خطة التخريب فقد استأنفت شركة نفط الكويت تصدير النفط منها بواقع 300 ألف برميل يوميا في حين كان انتاجها قبل الغزو يصل الى 1.5 مليون برميل يوميا.
الخسائر المادية
بلغت الخسائر المادية من احتراق آبار النفط ما يقارب الـ 120 مليون برميل يومياً.
وذكر تقرير لشركة نفط الكويت أن عدد آبار النفط بعد التحرير كانت 751 بئراً أصاب التدمير منها 603 بئر محترقة و44 بئرا يتدفق منها البترول و104 آبار، مدمرة في حين لم يسلم من التدمير والتخريب سوى 110 آبار.
وأشار التقرير الى أن الكويت فقدت ما بين 1.5 مليار وملياري برميل من جراء احتراق الآبار وهو ما يوازي اثنين في المائة من الاحتياطي النفطي.
كما كشفت بعض الوثائق العراقية أن رأس النظام العراقي وحرسه الجمهوري هما مدبرا الخطة الشيطانية للتخريب المؤجل، اذ تبين من الوثائق «تخصيص وتسمية جماعات التخريب الخاصة بآبار النفط ومحطات الكهرباء والماء التي تمت تهيئتها لتخريب مؤجل، بحيث تكون كل مجموعة ثابتة في المكان المحدد لها بغرض تفجير هذه الأهداف في حال صدور أوامر بذلك».

الكارثة البيئية
ولم تقتصر نتائج حرائق النفط على الخسائر المادية فحسب، بل تجاوزتها الى خسائر أكثر خطورة على البيئة والصحة العامة، حيث شكلت أعمدة الدخان المتصاعدة والتي غطت سماء الكويت طيلة هذه الفترة كارثة بيئية تهدد الكائنات الحية من انسان وحيوان ونبات. وقد قدر الخبراء كميات الملوثات التي كانت تتصاعد الى الجو بحوالي 150 طنا، مخلفة وراءها أخطارا جسيمة على الصحة العامة بصورة لم يسبق لها مثيل في تاريخ المعمورة.
ومنذ تحرير الكويت بتاريخ 26 فبراير عام 1991م توافدت أعداد كبيرة من العلماء والخبراء المختصين بشؤون البيئة، وأقيمت الندوات والمؤتمرات والحلقات النقاشية في أكبر مراكز البحوث في العالم في محاولات لانقاذ البيئة ومعرفة الآثار المستقبلية لهذه الكارثة وتحديد نطاقها.
وفي دراسات مبدئية قامت بها الجمعية العلمية الوطنية وهي احدى الوكالات الفيدرالية الأمريكية المختصة في مايو عام 1991م، وبالاعتماد على القياسات التي أخذت تشير الى أن مليون الى مليوني طن من ثاني أكسيد الكربون كانت تتصاعد من الحرائق يوميا، وهذه النسبة تمثل %1 من مجموع ثاني أكسيد الكربون المنبعث في العالم كله. كما أكدت بعض الدراسات في تحليل لمخاطر هذه الكارثة الى أن 50 ألف شخص في الكويت سوف تكون حياتهم أقصر بطريقة ما في السنوات القادمة، بينما سوف تصيب أضعاف أضعافهم الكثير من الأمراض القاتلة بسبب الدخان وما يحتويه من غازات وكيماويات سامة مختلفة.
يذكر أن الدخان المنطلق من الآبار قد وصل دولا مختلفة من العالم منها دول وسط آسيا. وقد هطلت أمطار سوداء على البحرين والسعودية وقطر وايران وسلطنة عمان، هذا ووصلت الأمطار السوداء المحملة بالنفط والغاز الى جبال الهمالايا أيضا، كما سقطت كميات كبيرة جدا من السخام على الكويت لتغطي النباتات والمباني وقد أثر على الطيور والحيوانات الأخرى، اضافة الى تحويل النهار إلى ليل عند سكون الرياح مما أدى الى انخفاض درجات الحرارة الى 4 درجات مئوية مما تسبب في هلاك الكثير من الكائنات البحرية.
الأيدي الكويتية ودورها البارز
شارك الشباب الكويتي المعطاء المتحمس لوطنه بعمليات الإطفاء بفريق مكون من 26 عضواً، أضيف لهم لاحقا ثلاثة أعضاء عند دخول هذا الفريق للعمل، ويقول رئيسه عيسى بويابس أنهم بدأوا بالإطفاء قبل أن يتم تدريبهم مع الفرق الأجنبية المشاركة. وذلك اختصارا للوقت ولوجود 10 أفراد بين الفريق ضباط إطفاء متدربون على إطفاء نماذج الآبار المشتعلة، ويضيف انهم بدأوا العمل في 1991/9/14في حقل أم قدير، فأطفأوا بمفردهم 41 بئرا من ضمنها بئر (برقان 160) الذي يقع في قلب حقل برقان، وهو المكان الأكثر انتاجا. حيث تقدر طاقة هذا البئر الانتاجية قبل تفجيره بنحو 25500 برميل في اليوم... وكان من أخطر الآبار من حيث قوة لهيبه، ودرجة الحرارة العالية المنبعثة منه، وبالرغم من تحاشي الفرق الأخرى إطفاء هذا البئر، الا ان الفريق الكويتي قام باطفائه في فترة زمنية تقدر بأربعة أيام فقط، وكانت لحظة إطفاء هذا البئر تحديدا من اسعد لحظات عمرهم وأكثرها تأثيرا.
عمليات الإطفاء والسيطرة على أول بئر
نظراً لضخامة وكثافة النيران والأدخنة من هذه الحرائق فقد توقع خبراء عالميون أن عملية إطفاء هذه الحرائق ستكون في غضون 3 سنوات، الا ان وزارة النفط الكويتية عملت على دراسة امكانية خفض هذه الفترة وانهاء الكارثة في فترة وجيزة، وبدأ العمل الفعلي لاخماد تلك الحرائق في يوم 3 مارس عام 1991م.
وقد بدأ العمل بإطفاء الآبار بشركة أمريكية واحدة، وتوالت الدول مقدمة فرقها للمساعدة حتى بلغ عدد الفرق المشاركة في الإطفاء 27 فرقة من كل من الكويت، الولايات المتحدة الأمريكية، كندا، الصين، هنغاريا، فرنسا، رومانيا، بريطانيا، روسيا والأرجنتين، وكان متوسط الإطفاء اليومي ثلاث آبار، وأعلى رقم تم تسجيله لعدد الآبار التي أطفئت في يوم واحد 13 بئرا.
والى جانب الحشد الهائل من العاملين في الإطفاء والذي قدر بأكثر من 10 آلاف شخص تفتقت أذهان المتخصصين عن أفكار جديدة باستخدام ضغط نفاق يساعد على إطفاء اللهب الى جانب الأساليب التقليدية التي كانت الأكثر استعمالاً.
ومن الجدير بالذكر أن عمليات الإطفاء بدأت في عهد كان وزير النفط فيه الدكتور رشيد العميري، فوضعت الخطة وجلبت المعدات التي تم تحضيرها قبل التحرير ونذكر منها معدات وماكينات وعربات بلغ عددها حوالي 5800 قطعة، وهذا العدد يمثل ثاني أكبر أسطول معدات عربات غير عسكرية في العالم، وهو أكبر أسطول تم تجميعه في مكان واحد. وتم تطهير أكثر من 175كم من الأرض من مخلفات الغزو التي لم تنفجر، وتفجير أكثر من 20 ألف قطعة من المخلفات المتفجرة، وأنشيء أكثر من 2000 خط لا سلكي من 50 محطة فاكس و24 شبكة تلفزيونية تعتمد على القمر الصناعي لدعم عملية الإطفاء، وقد تم تركيب هذا النظام في وقت قياسي، ويذكر أنه تم اعداد أكثر من 31 مليون وجبة غذائية للعاملين في الإطفاء، وقد بلغ أعلى معدل تقديم الوجبات 26 ألف وجبة في اليوم.
وقد تم انشاء 361 بحيرة ماء صناعية لاستخدامها في أعمال الإطفاء، وزاد الامداد بالمياه الى 25 مليون جالون من الماء يوميا، وبلغ اجمالي كمية المياه المستخدمة 11.2 مليار جالون، وهذه الكمية الهائلة تكفي لملء بحيرة كبيرة عمقها متران وعرضها كيلومتر واحد وطولها ثلاثة كيلومترات ونصف الكيلومتر، وهذه الكمية كافية لتغطية مساحة الكويت بكاملها.
وقد استمر الوزير الدكتور العميري في العمل حتى 1991/4/20م، بعد أن أطفأ رجال الإطفاء ما بين 50ـ45 بئرا، ليسلم بقية المهمة الى الوزير الذي خلفه وهو الدكتور حمود الرقبة - رحمه الله تعالى - حيث أكمل ما بدأه سلفه وأنهى المهمة في وقت قياسي.
ولا يفوتنا أن نذكر أن هذه هي المرة الأولى التي نحتفل بها بذكرى إطفاء آخر بئر للنفط وقد غيب الموت عنا الدكتور حمود الرقبة طيب الله ثراه.
وكانت أول بئر فعلية تمت السيطرة عليها في 20 مارس 1991م، وهي (الأحمدي 24) وكان ذلك في تاريخ 29 مارس 1991م، وقد استخدمت في عمليات الإطفاء دبابة أمريكية من طراز (ام 60) أطلقت قذائف على احدى آبار حقل برقان وسقطت جميع القذائف على أهدافها بدقة متناهية.
إطفاء آخرالآبار
يتذكر الكويتيون، ويتذكر معهم العالم كله، كيف تنفس الجميع الصعداء بإطفاء آخر بئر مشتعلة وهي بئر (برقان 118) والذي كان في مثل هذا اليوم وتحديدا في 6 نوفمبر عام 1991م أي منذ ستة عشر عاما، ومع اصرار الكويت على انهاء آثار العدوان والبدء في اعادة الاعمار ومن أجل اعادة تأهيل القطاع النفطي وهو العصب الاقتصادي للكويت والكويتيين، أتم بحمد الله ورعايته الفريق الكويتي لإطفاء الآبار المحترقة مهمته الجليلة في 240 يوما محطما بذلك كل التوقعات والدراسات التي ادعت أن الآبار لن تطفأ قبل 3 سنوات على الأقل، وليثبت للعام أجمع أن الكويتيين بعزم شبابهم وتوجيهات آبائهم وأجدادهم الذين ضحوا بالغالي والنفيس من أجل هذا الوطن قد استحقوا وعن جدارة أن يكونوا مضربا للأمثال في كل محفل.
وقد شمل سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح - رحمه الله برعايته إطفاء آخر بئر مشتعلة، متوجا بذلك جهودا جبارة بذلتها أياد كويتية وأخرى صديقة، ففي مثل هذا اليوم من عام 1991م وقف سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح - رحمه الله، وسمو ولي عهده الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح - حفظه الله، ووزير النفط في ذلك الوقت الدكتور حمود الرقبة - رحمه الله ، تحيط بهما وفود ومندوبو الدول الشقيقة والصديقة ومسؤولون في القطاع النفطي الكويتي أمام ذراع تحكم بشعلة آخر بئر محترقة في حقل برقان ليديرها سمو الأمير قاطعا بذلك نزيف اهدار آخر قطرة من النفط الكويتي ليتحول بعدها هذا النفط الى وقود يدفئ العالم ويحرك مصانعه.
ولا شك أن ما حدث يعتبر معجزة بكل المقاييس، وسباقا مع الزمن، وقد وضعت الحكومة نصب عينيها منذ اليوم الأول لتحرير الكويت ضرورة العمل على سرعة مكافحة حرائق آبار النفط وعهدت الى شركات أمريكية وغربية متخصصة لاتمام عملية الإطفاء، وقد قامت بتجنيد كل الطاقات وتسخير كل الجهود للسيطرة على هذه الكارثة وتحجيم آثارها في أقل وقت ممكن وبأقل خسائر ممكنة. وبالطبع فان هذا السباق مع الزمن قد خفف آثار هذه الكارثة الى الحد الأدنى، حيث ان التقديرات كانت تشير الى أن 3ـ2 في المائة من احتياطي النفط الكويتي الثابت والذي يقدر بـ 100 مليار برميل سوف تلتهمه النيران.
وفي 28 يوليو عام 1991م غادرت الكويت ناقلة النفط العملاقة (ثورنيس) ميناء الأحمدي حاملة أول شحنة نفط الى الخارج، وبذلك تكون الكويت قد صدرت النفط للمرة الأولى منذ الغزو العراقي الغاشم. وبإطفاء آخر بئر نفطية يغلق ملف أكبر كارثة بيئية شهدتها منطقة الشرق الأوسط والعالم كله، والتي سببتها نيران الحقد الآثمة.